المخيم الذي يتمتع بواجهة بحرية أهّلته في فترة من الفترات ليلعب دور مرفأ لتهريب البضائع، أصبح اليوم تحت سلطة الجيش اللبناني بالكامل بعد أن جرد من المظاهر العسكرية، الأمر الذي أحدث توزاناً بين سائر المنظمات الفلسطينية. وهو يتألف من قسمين: المخيم القديم والمخيم الجديد، ويُقصد بالقديم ذاك الذي أقيم في الأصل على أرض إستأجرتها "الأونروا" من أحد الملاكين، واسمه عبود بيك، لمدة 99 سنة. وفي هذا المخيم القديم كانت تتركز الأنشطة العسكرية للمنظمات الفلسطينية والتحصينات التي تواجدت في الثمانينيات، عندما أقام أبو عمار فيه قبل مغادرته الى تونس، وهذا الجزء من المخيم والذي يشكل النواة، ما زال ممنوعاً الدخول إليه ويخضع للرقابة الأمنية.
أما المخيم الجديد فقد نشأ مع الوقت وتوسع بفعل التزايد الديمغرافي الكبير، وهذا القسم أتاح الجيش اللبناني منذ العام 2012 للمدنيين الدخول اليه، بعد التسجيل وإبراز الهوية للمراكز المثبتة عند مداخله.
إنتظار العودة
والمخيم الذي كان يضم في الأصل 35 ألف لاجىء تقريباً، لم يعد منهم أكثر من الثلث، فيما بقي جزء كبير منهم منتشراً بين مخيم البداوي القريب ومخيمات بيروت وصيدا وصور، وذلك يرجع بشكل رئيسي إلى عدم اعمار بيوتهم التي تقع في الجزء القديم من المخيم.
وعند انتهاء حرب المخيم المدمرة إستملكت الدولة اللبنانية الأرض التي كان يقوم عليها، وبدأت عملية الترميم، وقسم المخيم الى ثماني مناطق، حيث تولت شركة الجهاد المرحلة الأولى، أي رفع الأنقاض، أما المرحلة الثانية فتولتها شركة الدنش، وإبتداءاً من المرحلة الثالثة بدأت "الأونروا" بتسلم زمام المبادرة، وتوزيع الأجزاء على مجموعة مقاولين.
في السنوات الماضية، سلمت "الأونروا" جزئين من الأجزاء الثمانية، وهي تتضمن بنايات سكنية من أربعة طوابق كحد أقصى، فيما كان على سكان الأجزاء الأخرى الإنتظار حتى تأمين "الأونروا" للإعتمادات. ويقر بعض سكان المخيم بأن "حالة المخيم العمرانية أفضل من السابق"، وأن الاشكالات صارت محدودة مقارنة بالسابق. ولكن في المقابل يرى البعض أن "الحالة السابقة كانت أفضل، لأن من كان بيته كبيراً أصبح بيته نتيجة التقسيمات الجديدة ضيقاً"، كما يقول أيمن، فـ"من كانت مساحة منزله مئة متر، تم إقتطاع جزء منها لتوسيع الطرقات والشوارع، ولم يعد هناك زواريب كالسابق، ربما لكي تسير بداخلها الملالات". أما سامي الذي ولد في المخيم وعاش كل حياته فيه قبل الحرب، فيشعر بالغبن لأنه اشترى مسكناً في المخيم قبل الحرب بشهرين وهو لن يحصل على ما يوازيه حالياً.
وشهد المخيم إرتفاعاً في أسعار الإيجارات، كما يشير علي، أحد سكان المخيم، الذي يقول "قبل الحرب كانت أجرة الغرفة 50 دولارا، أما اليوم فأصبحت بـ200 دولار، وهو عبء كبير على من يريد أن يسكن في المخيم، وإن كان زهيداً مقارنة بالايجارات خارجه".
سياسة الشح
وفي الآونة الأخيرة، وبفعل شح التمويل، بدأت "الأونروا" إجراءات تقشفية تأثر بها سكان نهر البارد، كسائر أبناء المخيمات المنتشرة في لبنان، خصوصاً من الناحية الصحية. ويشبّه مروان آليات عمل "الأونروا" بآليات عمل الضمان الاجتماعي اللبناني، الذي يحول المرضى إلى المستشفيات اللبنانية، ويغطي جزءاً من العلاج وتتفاوت التغطية حسب التكاليف، مستشهداً بالعملية التي أجرتها والدته مؤخراً، فقد بلغت كلفة العملية 8500 دولار، غطت "الأونروا" منها 2500 دولار.
على أن تقليصات "الأونروا"، خصوصاً تلك التي أعلنت في الأسبوع الماضي، أدت إلى موجة خوف وهلع بين اللاجئين الفلسطينيين، فاقمها تقليصها أيضاً لأعداد الموظفين، وبدأت مع العام الدراسي الجديد عندما تعرقلت الإنطلاقة بفعل الأزمة المالية. ومع بداية العام 2016 بدأت تسري التقليصات على فلسطينيي لبنان، حيث طال التقليص تغطية طبابة المرضى من 100% إلى 80% في المستشفيات الخاصة، و85% في المستشفيات الحكومية، و95% في مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني، ما يعني أنه فرض على اللاجىء الفلسطيني أن يدفع فرقاً يصل إلى 20% من كلفة العلاج في المستوى الثاني.
ويعاني القطاع الصحي في المخيم من نقص حاد في التجهيزات، اذ "لا يوجد أي مستشفى، ويقتصر الأمر على مجموعة من المستوصفات الخاصة، التي يمكنها تقديم العناية الصحية الأولية فقط"، كما يؤكد الحاج زياد، الذي يشير الى أن أبناء المخيم يستشفون في مشافي طرابلس ولدى الهلال الأحمر وبعض المستشفيات المتعاقدة مع "الأونروا". ولا يتوانى أحد سكان المخيم عن القول "لو كنا ولدنا وعشنا في بلد آخر، لربما كان وضعنا مختلفاً على كافة الصعد".
مسلسل التقليصات الذي يتخذ مساراً تصاعدياً عاماً بعد آخر "ليس بريئاً"، وترى اللجنة الفلسطينية العليا لمتابعة إعمار مخيم نهر البارد أن هناك خلفية سياسية تسعى لإنتهاز فرصة التطورات الإقليمية لتصفية القضية الفلسطينية، مضيفةً أن "الاجراءات الأخيرة مقدمة لخلق ترانسفير يهدد الوجود الفلسطيني ويؤدي الى تدمير مجتمع اللاجئين".
اعتصام
بدعوة من أبناء مخيمي البارد والبداوي نفذت اعتصامات احتجاجية أمام مقرات "الاونروا"، الاثنين، حيث أغلق المعتصمون مكاتب مدراء المخيمين ومكاتب الشؤون، للضغط على "الأونروا" للتراجع عن سياسة تقليص الخدمات الأساسية في الصحة والتعليم والاغاثة.
وطالب القيادي في "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" عاطف خليل "المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه اللاجئين الفلسطينين"، داعياً "القيادة السياسية الفلسطينية إلى وضع استراتيجة تحركات لمواجهة الأونروا وتقليصاتها، لأن التقليص في الخدمات يشير الى خطة لدى الوكالة لانهاء خدماتها وبالتالي استهداف قضية اللاجئين وحقهم بالعودة تطبيقاً للقرار 194".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها